الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: لسان العرب ***
أوا: أَوَيْتُ مَنْزلي وإِلى منزلي أُوِيّاً وإِوِيّاً وأَوَّيْتُ وتأَوَّيْتُ وأْتَوَيْتُ، كله: عُدْتُ؛ قال لبيد: بصَبُوحِ صافِيةٍ وجَدْتُ كرِينَةً بِمُوَتَّرٍ تَأْتَى له إِبْهامُها إِنما أَراد تَأْتَوِي له أَي تفتعل من أَوَيتُ إِليه أَي عُدْتُ، إِلا أَنه قلب الواو أَلفاً وحذفت الياء التي هي لام الفعل؛ وقول أَبي كبير: وعُراضةُ السِّيَتَيْنِ تُوبِعَ بَرْيُها، تَأْوِي طَوائفُها لعَجسٍ عَبْهَرِ استعارَ الأُوِيّ للقِسِيّ، وإِنما ذلك للحيوان. وأَوَيْتُ الرجل إِليَّ وآوَيْتُه، فأَما أَبو عبيد فقال أَوَيْته وآوَيْتُه، وأَوَيْتُ إِلى فلان، مقصورٌ لا غير. الأَزهري: تقول العرب أَوَى فلانٌ إِلى منزله يَأْوِي أُوِيّاً، على فُعول، وإِواءً؛ ومنه قوله تعالى: قال سآوي إِلى جبل يعصمني من الماء. وآوَيْتُه أَنا إِيواءً، هذا الكلام الجيد. قال: ومن العرب من يقول أَوَيْتُ فلاناً إِذا أَنزلته بك. وأَويْتُ الإِبل: بمعنى آوَيْتُها. أَو عبيد: يقال أَوَيْتُه، بالقصر، على فَعَلْته، وآوَيْتُه، بالمد، على أَفْعَلْته بمعنى واحد، وأَنكر أَبو الهيثم أَن تقول أَوَيْتُ، بقصر الأَلف، بمعنى آوَيْتُ، قال: ويقال أَوَيْتُ فلاناً بمعنى أَوَيْتُ إِليه. قال أَبو منصور: ولم يعرف أَبو الهيثم، رحمه الله، هذه اللغة، قال: وهي صحيحة، قال: وسمعت أَعرابيّاً فصيحاً من بني نُمَير كان استُرْعِيَ إِبلاً جُرْباً، فلما أَراحَها مَلَثَ الظَّلامِ نَحَّاها عن مَأْوَى الإِبلِ الصِّحاحِ ونادَى عريفَ الحيّ فقال: أَلا أَيْنَ آوِى هذه الإِبلَ المُوَقَّسَة؟ ولم يقل أُووِي. وفي حديث البَيْعة أَنه قال للأَنصار: أُبايعكم على أَن تُؤْوُوني وتنصروني أَي تضموني إِليكم وتَحُوطوني بينكم. يقال: أَوَى وآوَى بمعنى واحد، والمقصور منهما لازم ومتعدّ؛ ومنه قوله: لا قَطْع في ثَمَرٍ حتى يَأْوِيَهُ الجَرِينُ أَى يَضُمه البَيْدَرُ ويجمعه. وروى الرواةُ عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنه قال: لا يَأْوِي الضالةَ إِلا ضالٌّ؛ قال الأَزهري: هكذا رواه فصحاء المحدّثين بالياء، قال: وهو عندي صحيح لا ارتياب فيه كما رواه أَبو عبيد عن أَصحابه؛ قال ابن الأَثير: هذا كله من أَوَى يَأْوي. يقال: أَوَيْتُ إِلى المنزل وأَوَيْتُ غيري وآويْتُه، وأَنكر بعضهم المقصور المتعدّي، وقال الأَزهري: هي لغة فصيحة؛ ومن المقصور اللازم الحديثُ الآخر: أَما أَحدُهم فأَوَى إِلى الله أَي رجع إِليه، ومن الممدود حديثُ الدعاء: الحمد لله الذي كفانا وآوانا؛ أَي ردَّنا إِلى مأْوىً لنا ولم يجعلنا منتشرين كالبهائم، والمأْوَى: المنزلُ: وقال الأَزهري: سمعت الفصيحَ من بني كلاب يقول لمأْوَى الإِبلِ مَأْواة، بالهاء. الجوهري: مَأْوِي الإِبل، بكسر الواو، لغة في مَأْوَى الإِبل خاصة، وهو شاذ، وقد ذكر في مأْقي العين. وقال الفراء: ذكر لي أَنَّ بعض العرب يسمي مأْوَى الإِبل مأْوِي، بكسر الواو، قال: وهو نادر، لم يجئ في ذوات الياء والواو مَفْعِلٌ، بكسر العين، إِلا حرفين: مَأْقي العين، ومأْوِي الإِبل، وهما نادران، واللغة العالية فيهما مأْوى ومُوق وماقٌ، ويُجْمَع الآوي مثل العاوي أُوِيّاً بوزن عُوِيّاً؛ ومنه قول العجاج: فَخَفَّ والجَنادِلُ الثُّوِيُّ، كما يُداني الحِدَأُ الأُوِيُّ شبه الأَثافي واجتماعَها بحدإِ انضمت بعضها إلى بعض. وقوله عز وجل: عندها جنة المأْوى؛ جاء في التفسير: أَنها جنة تصير إِليها أَرواح الشهداء. وأَوَّيْتُ الرجلَ كآوَيْته؛ قال الهذلي: قد حالَ دونَ دَريسَيْهِ مُؤَوِّيةٌ مِسْعٌ، لها بِعضاهِ الأَرضِ تَهْزيزُ قال ابن سيده: هكذا رواه يعقوب، والصحيح مؤوِّبةٌ، وقد روى يعقوب مؤوّبة أَيضاً ثم قال: إِنها رواية أُخرى. والمَأْوى والمَأْواة: المكانُ، وهو المأْوِي. قال الجوهري: المَأْوَى كل مكان يأْوي إِليه شيء ليلاً أَو نهاراً. وجنة المأْوى: قيل جَنَّةُ المَبيت. وتَأَوَّت الطير تَأَوِّياً: تَجَمَّعَتْ بعضُها إِلى بعض، فهي مُتَأَوِّيَة ومُتَأَوِّياتٌ. قال أَبو منصور: ويجوز تَآوَتْ بوزن تَعاوَتْ على تَفاعَلَتْ. قال الجوهري: وهُنَّ أُوِيٌّ جمع آوٍ مثل باكٍ وبُكِيٍّ، واستعمله الحرثُ بن حِلِّزة في غير الطير فقال: فتَأَوَّتْ له قَراضِبةٌ من كلِّ حَيٍّ، كأَنَّهم أَلْقاءُ وطير أُوِيٌّ: مُتَأَوِّياتٌ كأَنه على حذف الزائد. قال أَبو منصور: وقرأْت في نوادر الأَعراب تَأَوَّى الجُرْحُ وأَوَى وتَآوَى وآوَى إِذا تقارب للبرء. التهذيب: وروى ابن شميل عن العرب أَوَّيتُ بالخيل تَأْوِيَةً إِذا دعوتها آوُوه لتَريعَ إِلى صَوْتِك؛ ومنه قول الشاعر: في حاضِر لَجِبٍ قاسٍ صَواهِلُهُ، يقال للخيل في أَسْلافِه: آوُو قال أَبو منصور: وهو معروف من دعاء العرب خيلها، قال: وكنت في البادية
مع غلام عربي يوماً من الأَيام في خيل نُنَدِّيها على الماء، وهي مُهَجِّرة تَرْوُدُ في جَناب الحِلَّة، فهبت ريح ذات إِعْصار وجَفَلَتِ الخيلُ وركبت رؤوسَها، فنادى رجل من بني مُضَرّس الغلام الذي كان معي وقال له: أَلا وأَهِبْ بها ثم أَوِّ بها تَرِعْ إِلى صوتك، فرفع الغلام صوته وقال: هابْ هابْ، ثم قال: آوْ فراعَتِ الخيلُ إِلى صوته؛ ومن هذا قول عدي بن الرِّقاع يصف الخيل: هُنَّ عُجْمٌ، وقد عَلِمْنَ من القَوْ لِ: هَبي واقْدُمي وآوُو وقومي ويقال للخيل: هَبي وهابي واقْدُمي واقْدمي، كلها لغات، وربما قيل لها من بعيد: آيْ، بمدة طويلة. يقال: أَوَّيْتُ بها فتأَوَّتْ تَأَوِّياً إِذا انضم بعضُها إِلى بعض كما يَتَأَوَّى الناسُ؛ وأَنشد بيت ابن حلِّزة: فتأَوَّت له قراضبة من كل حيٍّ، كأَنهم أَلقاءُ وإِذا أَمرتَ من أَوَى يأْوِي قلت: ائْوِ إِلى فلان أَي انضمَّ إِليه، وأَوِّ لفلان أَي ارْحمه، والافتعالُ منهما ائْتَوَى يأْتَوِي. وأَوى إِليه أَوْيَةً وأَيَّةً ومأْوِيَةً ومأْواةً: رَقَّ ورَثى له؛ قال زهير: بانَ الخَلِيطُ ولم يَأْوُوا لمنْ تَرَكُوا. وفي الحديث: أَن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُخَوِّي في سجوده حتى كنا نأْوي له؛ قال أَبو منصور: معنى قوله كنا نَأْوي له بمنزلة قولك كنا نَرْثي له ونُشْفِقُ عليه من شدَّة إِقلاله بَطْنَه عن الأَرض ومَدِّه ضَبُعَيْه عن جَنْبَيه. وفي حديث آخر: كان يصلي حتى كنتُ آوي له أَي أَرِقُّ له وأَرثي. وفي حديث المغيرة: لا تَأْوي من قلَّة أَي لا تَرْحَمُ زوجها ولا تَرِقُّ له عند الإِعدام؛ وقوله: أَراني، ولا كُفْرانَ لله، أَيَّةً لنَفْسِي، لقد طالَبْتُ غيرَ مُنِيلِ فإِنه أَراد أَوَيْتُ لنفسي أَيَّةً أَي رحمتها ورَقَقْتُ لها؛ وهو اعتراض وقولُه: ولا كفران لله، وقال غيره: لا كفران لله، قال أَي غير مُقْلَق من الفَزَع، أَراد لا أَكفر لله أَيَّةً لنفسي، نصبه لأَنه مفعول له. ال الجوهري: أَوَيْت لفلان أَوْيَةً وأَيَّةً، تقلب الواو ياء لسكون ما قبلها وتدغم؛ قال ابن بري: صوابه لاجتماعها مع الياء وسبقها بالسكون. واسْتَأْوَيْنُه أَي اسْتَرحمته استِيواءً؛ قال ذو الرمة: على أَمْرِِ من لم يُشْوِني ضُرُّ أَمْرِه، ولو أَنِّيَ اسْتَأْوَيْتُه ما أَوى ليا وأَما حديث وهب: إِن الله عز وجل قال إِني أَوَيْتُ على نفسي أن أَذْكُرَ من ذكرني، قال ابن الأَثير: قال القتيبي هذا غلط إِلا أَن يكون من المقلوب، والصحيح وأَيْتُ على نفسي من الوَأْي الوَعْدِ، يقول: جعلته وَعْداً على نفسي. وذكر ابن الأَثير في هذه الترجمة حديث الرؤيا: فاسْتَأَى لها؛ قال: بوزن اسْتَقى، ورُوي: فاسْتاء لها، بوزن اسْتاق، قال: وكلاهما من المَساءَة أَي ساءَتْه، وهو مذكور في ترجمة سوأَ؛ وقال بعضهم: هو اسْتالَها بوزن اخْتارَها فجعل اللام من الأَصل، أَخذه من التأْويل أَي طَلَبَ تأْويلَها، قال: والصحيح الأعول. أَبو عمرو: الأُوَّة الداهية، بضم الهمزة وتشديد الواو. قال: ويقال ما هي إِلا أُوَّةٌ من الأُوَوِ يا فتى أَي داهيةٌ من الدواهي؛ قال: وهذا من أَغرب ما جاء عنهم حتى جعلوا الواو كالحرف الصحيح في موضع الإِعراب فقالوا الأُوَوُ، بالواو الصحيحة، قال: والقياس في ذلك الأُوَى مثال قُوّة وقُوىً، ولكن حكي هذا الحرف محفوظاً عن العرب. قال المازني: آوَّةٌ من الفعل فاعلةٌ، قال: وأَصله آوِوَةٌ فأُدغمت الواو في الواو وشُدّت، وقال أَبو حاتم: هو من الفعل فَعْلةٌ بمعنى أَوَّة، زيدت هذه الأَلف كما قالوا ضَربَ حاقَّ رأْسه، فزادوا هذه الأَلف؛ وليس آوَّه بمنزلة قول الشاعر: تأَوَّه آهةَ الرجلِ الحَزينِ لأَن الهاء في آوَّه زائدة وفي تأَوَّه أَصلية، أَلا ترى أَنهم يقولون آوّتا، فيقلبون الهاء تاء؟ قال أَبو حاتم: وقوم من الأَعراب يقولون آوُوه، بوزن عاوُوه، وهو من الفعل فاعُولٌ، والهاء فيه أَصلية. ابن سيده: أَوَّ لَهُ كقولك أَوْلى له، ويقال له أَوِّ من كذا، على معنى التحزن، على مثال قَوِّ، وهو من مضاعف الواو؛ قال: فأَوِّ لِذِكراها، إِذا ما ذَكَرْتُها، ومن بُعْدِ أَرضٍ دُونَنا وسماء قال الفراء: أَنشدنيه ابن الجراح: فأَوْه مِن الذِّكْرَى إِذا ما ذكرتُها قال: ويجوز في الكلام من قال أَوْهِ، مقصوراً، أَن يقول في يَتَفَعَّل يَتأَوَّى ولا يقولها بالهاء. وقال أَبو طالب: قول العامة آوَّهْ، ممدود، خطأٌ إِنما هو أَوَّهْ من كذا وأَوْهِ منه، بقصر الأَلف. الأَزهري: إِذا قال الرجل أَوَّهْ من كذا رَدّ عليه الآخرُ عليك أَوْهَتُك، وقيل: أَوَّه فعلة، هاؤها للتأْنيث لأَنهم يقولون سمعت أَوَّتَك فيجعلونها تاء؛ وكذلك قال الليث أَوَّهْ بمنزلة فعلة أَوَّةً لك. وقال أَبو زيد: يقال أَوْهِ على زيد، كسروا الهاء وبينوها. وقالوا: أَوَّتا عليك، بالتاء، وهو التهلف على الشيء، عزيزاً كان أَو هيناً. قال النحويون: إِذا جعلت أَوّاً اسماً ثقلتَ واوها فقلت أَوٌّ حَسَنَةٌ، وتقول دَعِ الأَوَّ جانباً، تقول ذلك لمن يستعمل في كلامه افْعَلْ كذا أَو كذا، وكذلك تثقل لَوّاً إِذا جعلته اسماً؛ وقال أَبو زُبَيْدٍ: إِنَّ لَيْتاً وإِنَّ لَوّاً عَناءُ وقول العرب: أَوِّ من كذا، بواو ثقيلة، هو بمعنى تَشَكِّي مشقَّةٍ أَو همٍّ أَو حزن. وأَوْ: حرف عطف. وأَو: تكون للشك والتخيير، وتكون اختياراً. قال الجوهري: أَو حرف إِذا دخل الخبر دلَّ على الشك والإِبهام، وإِذا دخل الأَمر والنهي دل على التخيير والإباحة، فأَما الشك فقولك: رأَيت زيداً أَو عمراً، والإِبهام كقوله تعالى: وأَنا أَو إِياكم لعلى هدى أَو في ضلال مبين؛ والتخيير كقولك: كل السمك أَو اشرب اللبن أَي لا تجمع بينهما، والإِباحة كقولك: جالس الحسن أَو ابن سيرين، وقد تكون بمعنى إِلى أَن، تقول: لأَضربنه أَو يتوبَ، وتكون بمعنى بل في توسع الكلام؛ قال ذو الرمة: بَدَتْ مثل قَرْنِ الشمسِ في رَوْنَقِ الضُّحَى وصُورَتِها، أَو أَنتِ في العَينِ أَمْلَحُ يريد: بل أَنت. وقوله تعالى: وأَرسلناه إِلى مائة أَلف أَو يزيدون؛ قال ثعلب: قال الفراء بل يزيدون، قال: كذلك جاء في التفسير مع صحته في العربية، وقيل: معناه إِلى مائة أَلف عند الناس أَو يزيدون عند الناس، وقيل: أَو يزيدون عندكم فيجعل معناها للمخاطبين أَي هم أَصحاب شارَةٍ وزِيٍّ وجمال رائع، فإِذا رآهم الناس قالوا هؤلاء مائتا أَلف. وقال أَبو العباس المبرد: إِلى مائة أَلف فهم فَرْضُه الذي عليه أَن يؤَدّبه؛ وقوله أَو يزيدون، يقول: فإِن زادوا بالأَولاد قبل أَن يُسْلموا فادْعُ الأَولاد أَيضاً فيكون دعاؤك للأَولاد نافلة لك لا يكون فرضاً؛ قال ابن بري: أَو في قوله أَو يزيدون للإِبهام، على حدّ قول الشاعر: وهَلْ أَنا إِلاَّ من ربيعةَ أَو مُضَرْ وقيل: معناه وأَرسلناه إِلى جمع لو رأَيتموهم لقلتم هم مائة أَلف أَو يزيدون، فهذا الك إِنما دخل الكلام على حكاية قول المخلوقين لأن الخالق جل جلاله لا يعترضه الشك في شيء من خبره، وهذا أَلطف مما يُقَدَّرُ فيه. وقال أَبو زيد في قوله أَو يزيدون: إِنما هي ويزيدون، وكذلك قال في قوله تعالى: أَصلواتك تأْمرك أَن نترك ما يعبد آباؤنا أَو أَن نفعل في أَموالنا ما نشاء؛ قال: تقديره وأَن نفعل. قال أَبو منصور: وأَما قول الله تعالى في آية الطهارة: وإِن كنتم مَرْضى أَو على سفر أَو جاء أَحدٌ منكم من الغائط أَو لمستم النساء أَما الأَول في قوله: أَو على سفر، فهو تخيير، وأَما قوله: أَو جاء أَحد منكم من الغائط، فهو بمعنى الواو التي تسمى حالاً؛ المعنى: وجاء أَحد منكم من الغائط أَي في هذه الحالة، ولا يجوز أَن يكون تخييراً، وأَما قوله: أَو لمستم النساء، فهي معطوفة على ما قبلها بمعناها؛ وأَما قول الله عز وجل: ولا تُطِعْ منهم آثماً أَو كفوراً؛ فإِن الزجاج قال: أَو ههنا أَوكد من الواو، لأَن الواو إِذا قلتَ لا تطع زيداً وعمراً فأَطاع أَحدهما كان غير عاص، لأَنه أَمره أَن لا يطيع الاثنين، فإِذا قال: ولا تطع منهم آثماً أَو كفوراً، فأَوْ قد دلت على أن كل واحد منهما أَهل أَن يُعْصَى. وتكون بمعنى حتى، تقول: لأَضربنك أَو تقومَ، وبمعنى إِلاَّ أَنْ، تقول: لأَضربنَّك أَو تَسْبقَني أَي إِلا أن تسبقني. وقال الفراء: أَو إِذا كانت بمعنى حتى فهو كما تقول لا أَزالُ ملازمك أَو تعطيني. وإِلا أَن تعطيني؛ ومنه قوله عز وجل: ليس لك من الأَمر شيء أَو يتوب عليهم أَو يعذبهم؛ معناه حتى يتوب عليهم وإِلا أَن يتوب عليهم؛ ومنه قول امرئ القيس: يُحاوِلُ مُلْكاً أَو يَموتَ فيُعْذَرا معناه: إِلا أَن يموت. قال: وأَما الشك فهو كقولك خرج زيد أَو عمرو، وتكون بمعنى الواو؛ قال الكسائي وحده: وتكون شرطاً؛ أَنشد أَبو زيد فيمن جعلها بمعنى الواو: وقَدْ زَعَمَتْ ليلى بأَنِّيَ فاجِرٌ؛ لِنَفْسِي تُقاها أَو عَليها فُجُورُها معناه: وعليها فجورها؛ وأَنشد الفراء: إِِنَّ بها أَكْتَلَ أَوْ رِزامَا، خُوَيْرِبانِ يَنقُفَان الْهامَا. وقال محمد بن يزيد: أَو من حروف العطف ولها ثلاثة معان: تكون لأَحد أَمرين عند شك المتكلم أَو قصده أَحدهما، وذلك كقولك أَتيت زيداً أَو عمراً، وجاءني رجل أَو امرأَة، فهذا شك، وأَما إِذا قصد أَحدهما فكقولك كُلِ السمَكَ أَو اشربِ اللبنَ أَي لا تجمعها ولكن اخْتَر أَيَّهما شئت، وأَعطني ديناراً أَو اكْسُني ثوباً، وتكون بمعنى الإِباحة كقولك: ائْتِ المسجد أَو السوق أَي قد أَذنت لك في هذا الضرب من الناس، فإِن نهيته عن هذا قلت: لا تجالس زيداً أَو عمراً أَي لا تجالس هذا الضرب من الناس، وعلى هذا قوله تعالى: ولا تطع منهم آثماً أَو كفوراً؛ أَي لا تطع أَحداً منهما، فافهمه. وقال الفراء في قوله عز وجل: أَوَلم يروا، أَوَلم يأْتهم؛ إِنها واو مفردة دخلت عليها أَلف الاستفهام كما دخلت على الفاء وثم ولا. وقال أَبو زيد: يقال إِنه لفلان أَو ما تنحد فرطه ولآتِينك أَو ما تنحد فرطه. أَي لآتينك حقّاً، وهو توكيد. وابنُ آوَى: معرفةٌ، دُوَيبَّةٌ، ولا يُفْصَلُ آوَى من ابن. الجوهري: ابن آوَى يسمى بالفارسية شغال، والجمع بناتُ آوَى، وآوى لا ينصرف لأَنه أَفعل وهو معرفة. التهذيب: الواوا صياح العِلَّوْض، وهو ابن آوى، إِذا جاع. قال الليث: ابن آوى لا يصرف على حال ويحمل على أَفْعَلَ مثل أَفْعَى ونحوها، ويقال في جمعه بنات آوى، كما يقال بناتُ نَعْش وبناتُ أَوْبَرَ، وكذلك يقال بناتُ لَبُون في جمع ابن لبون ذَكَرٍ. وقال أَبو الهيثم: إِنما قيل في الجمع بنات لتأْنيث الجماعة كما يقال للفرس إِنه من بنات أَعْوَجَ، والجمل إِنه من بنات داعِرٍ، ولذلك قالوا رأَيت جمالاً يَتَهادَرْنَ وبنات لبون يَتَوَقَّصْنَ وبناتِ آوى يَعْوينَ كما يقال للنساء، وإِن كانت هذه الأَشياء ذكوراً.
أيا: أَيّ: حرف استفهام عما يعقل وما لا يعقل، وقوله: وأَسماء، ما أَسْماءُ ليلةَ أَدْلَجَتْ إِليَّ، وأَصْحابي بأَيَّ وأَيْنَما فإِنه جعل أَيّ اسماً للجهة، فلما اجتمع فيه التعريف والتأْنيث منعه الصرف، وأَما أَينما فهو مذكور في موضعه؛ وقال الفرزدق: تَنَظَّرْتُ نَصْراً والسِّماكَيْنِ أَيْهُما عَليَّ من الغَيْثِ اسْتَهَلَّتْ مواطِرُهْ إِنما أَراد أَيُّهما، فاضطر فحذف كما حذف الآخر في قوله: بَكى، بعَيْنَيك، واكفُ القَطْرِ ابنَ الحَواري العاليَ الذِّكْرِ إِنما أَراد: ابن الحواريّ، فحذف الأَخيرة من ياءي النسب اضطراراً. وقالوا: لأَضربن أَيُّهم أَفضلُ؛ أَيّ مبنية عند سيبويه، فلذلك لم يعمل فيها الفعلُ، قال سيبويه: وسأَلت الخليل عن أَيِّي وأَيُّك كان شرّاً فأَخزاه الله فقال: هذا كقولك أَخزى الله الكاذبَ مني ومنك، إِنما يريد منَّا فإِنما أَراد أَيُّنا كان شَرّاً، إِلا أَنهما لم يشتركا في أَيٍّ، ولكنهما أَخْلَصاهُ لكل واحد منهما؛ التهذيب: قال سيبويه سأَلت الخليل عن قوله: فأَيِّي ما وأَيُّكَ كان شَرّاً، فسِيقَ إِلى المقامَةِ لا يَراها فقال: هذا بمنزلة قول الرجل الكاذبُ مني ومنك فعل الله به؛ وقال غيره: إِنما يريد أَنك شرٌّ ولكنه دعا عليه بلفظ هو أَحسن من التصريح كما قال الله تعالى: وأَنا أَو إِياكم لعلى هُدىً أَو في ضلال مبين؛ وأَنشد المُفَضَّلُ: لقد عَلِم الأَقوامُ أَيِّي وأَيُّكُمْ بَني عامِرٍ، أَوْفى وَفاءً وأَظْلم معناه: علموا أَني أَوْفى وَفاءً وأَنتم أَظلم، قال: وقوله فأَبي ما وأَيك، أَيّ موضع رفع لأَنه اسم مكان، وأَيك نسق عليه، وشرّاً خبرها، قال: وقوله: فسيق إِلى المقامة لا يراها أَي عَمِيَ، دعاء عليه. وفي حديث أَبي ذر أَنه قال لفلان: أَشهد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إِني أَو إِياك فرعونُ هذه ا لأُمة؛ يريد أَنك فرعونُ هذه الأُمة، ولكنه أَلقاه إِليه تعريضاً لا تصريحاً، وهذا كما تقول أَحدُنا كاذبٌ وأَنت تعلم أَنك صادق ولكنك تُعَرِّضُ به. أَبو زيد: صَحِبه الله أَيَّا مّا تَوَجَّهَ؛ يريد أَينما توجه. التهذيب: روي عن أَحمد بن يحيى والمبرّد قالا: لأَيّ ثلاثة أُصول: تكون استفهاماً، وتكون تعجباً، وتكون شرطاً؛ وأَنشد: أَيّاً فَعَلْتَ، فإِني لك كاشِحٌ، وعلى انْتِقاصِك في الحَياةِ وأَزْدَدِ قالا جزَمَ قوله: وأَزْدَد على النسق على موضع الفاء التي في فإِنني، كأَنه قال: أَيّاً تفعلْ أُبْغِضْكَ وأَزْدَدْ؛ قالا: وهو مثل معنى قراءة من قرأَ: فأَصَّدَّقَ وأَكُنْ، فتقدير الكلام إِن تؤخرني أَصَّدَّق وأَكن، قالا: وإِذا كانت أَيٌّ استفهاماً لم يعمل فيها الفعل الذي قبلها، وإِنما يرفعها أَو ينصبها ما بعدها. قال الله عز وجل: لنَعْلَم أَيٌّ الحِزْبين أَحصى لما لبثوا أَمداً؛ قال المبرد: فأَيٌّ رفع، وأَحصى رفع بخبر الابتداء. وقال ثعلب: أَيٌّ رافعهُ أَحصى، وقالا: عمل الفعل في المعنى لا في اللفظ كأَنه قال لنعلم أَيّاً من أَيٍّ، ولنَعْلم أَحَدَ هذين، قالا: وأَما المنصوبة بما بعدها فقوله: وسيعلم الذين ظلموا أَيَّ مُنْقَلَبٍ ينقلبون؛ نصب أَيّاً بينقلبون. وقال الفراء: أَيٌّ إِذا أَوْقَعْتَ الفعل المتقدّم عليها خرجت من معنى الاستفهام، وذلك إِن أَردته جائز، يقولون لأَضْربنَّ أَيُّهم يقول ذلك، لأن الضرب على اسم يأْتي بعد ذلك استفهام، وذلك أَن الضرب لا يقع اننين. قال: وقول الله عز وجل: ثم لننزعنَّ من كل شيعةٍ أَيُّهم أَشَدُّ على الرحمن عِتِيّاً؛ من نصب أَيّاً أَوقع عليها النَّزْعَ وليس باستفهام كأَنه قال لنستخرجن العاتي الذي هو أَشدّ، ثم فسر الفراء وجه الرفع وعليه القراء على ما قدمناه من قول ثعلب والمبرد. وقال الفراء: وأَيّ إِذا كانت جزاء فهي على مذهب الذي قال وإِذا كان أَيّ تعجباً لم يجاز بها لأن التعجب لا يجازى به، وهو كقولك أَيُّ رجل زيدٌ وأَيٌّ جاريةٍ زينبُ، قال: والعرب تقول أَيّ وأَيّانِ وأَيُّونَ، إِذا أَفردوا أَيّاً ثَنَّوْها وجمعوها وأَنثوها فقالوا أَيّة وأَيْتان وأَيّاتٌ، وإِذا أَضافوها إِلى ظاهرٍ أَفردوها وذكَّروها فقالوا أَيّ الرجلين وأَيّ المرأَتين وأَيّ الرجل وأَيّ النساء، وإِذا أَضافوا إلى المَكْنِيّ المؤنث ذكَّروا وأَنَّثوا فقالوا أَيهما وأَيتهما للمرأَتين، وفي التنزيل العزيز: أَيَّا مَّا تَدْعوا؛ وقال زهير في لغة من أَنَّث: وزَوَّدُوك اشْتياقاً أَيَّةً سَلَكوا أَراد: أَيَّةَ وُجْهةٍ سلكوا، فأَنثها حين لم يضفها، قال: ولو قلت أَيّاً سلكوا بمعنى أَيَّ وَجْه سلكوا كان جائزاً. ويقول لك قائل: رأَيتُ ظَبْياً، فتجيبه: أَيّاً، ويقول: رأَيت ظبيين، فتقول: أَيَّين، ويقول: رأَيت ظِباءً، فتقول: أَيَّات، ويقول: رأَيت ظبية، فتقول: أَيَّةً. قال: وإِذا سأَلت الرجل عن قبيلته قلت المَيِّيُّ، وإِذا سأَلته عن كورته قلت الأَيِّيُّ، وتقول مَيِّيٌّ أَنت وأَيِّيٌّ أَنت، بياءين شديدتين. وحكى الفراء عن العرب في لُغَيَّة لهم: أَيُّهم ما أَدرك يركب على أَيهم يريد. وقال الليث: أَيّانَ هي بمنزلة متى، قال: ويُخْتَلَف في نونها فيقال أَصلية، ويقال زائدة. وقال الفراء: أَصل أَيان أَيَّ أَوانٍ، فخففوا الياء من أَي وتركوا همزة أَوان، فالتقت ياء ساكنة بعدها واو، فأُدغمت الواو في الياء؛ حكاه عن الكسائي، قال: وأَما قولهم في النداء أَيها الرجل وأَيتها المرأَة وأَيها الناس فإِن الزجاج قال: أَيّ اسم مبهم مبني على الضم من أَيها الرجل لأَنه منادى مفرد، والرجل صفة لأَيّ لازمة، تقول يا أَيها الرجل أَقبل، ولا يجوز يا الرجل، لأَن يا تنبيه بمنزلة التعريف في الرجل فلا يجمع بين يا وبين الأَلف واللام فتصل إِلى الأَلف واللام بأَيّ، وها لازمة لأَيّ للتنبيه، وهي عوض من الإِضافة في أَيّ، لأَن أَصل أَيّ أَن تكون مضافة إِلى الاستفهام والخبر، والمُنادى في الحقيقة الرجلُ، وأَيّ وُصْلَة إِليه، وقال الكوفيون: إِذا قلت يا أَيها الرجل، فيا نداء، وأَيّ اسم منادى، وها تنبيه، والرجل صفة، قالوا ووُصِلَتْ أَيّ بالتنبيه فصارا اسماً تامّاً لأَن أَيا وما ومن الذي أَسماء ناقصة لا تتم إِلا بالصلات، ويقال الرجل تفسير لمن نودي. وقال أَبو عمرو: سأَلت المبرّد عن أَيْ مفتوحة ساكنة ما يكون بعدها فقال: يكون الذي بعدها بدلاً، ويكون مستأْنفاً ويكون منصوباً؛ قال: وسأَلت أَحمد بن يحيى فقال: يكون ما بعدها مُتَرْجِماً، ويكون نصباً بفعل مضمر، تقول: جاءني أَخوك أَي زيد ورأَيت أَخاك أَي زيداً ومررت بأَخيك أَي زيد. ويقال: جاءني أَخوك فيجوز فيه أَيْ زيدٌ وأَيْ زيداً، ومررت بأَخيك فيجوز فيه أَي زيدٍ أَي زيداً أَي زيدٌ. ويقال: رأَيت أَخاك أَي زيداً، ويجوز أَي زيدٌ. وقال الليث: إِيْ يمينٌ، قال الله عز وجل: قل إِي وربي إِنه لحق؛ والمعنى إِي والله؛ قال الزجاج: قل إِي وربي إِنه لحق، المعنى نعم وربي، قال: وهذا هو القول الصحيح، وقد تكرر في الحديث إِي واللهِ وهي بمعنى نعم، إِلا أَنها تختص بالمجيء مع القسم إِيجاباً لما سبقه من الاستعلام. قال سيبويه: وقالوا كأَيَّنْ رجلاً قد رأَيت، زعم ذلك يونس، وكأَيَّنْ قد أَتاني رجلاً، إِلا أَن أَكثر العرب إِنما يتكلمون مع مِنْ، قال: وكأَيَّنْ مِنْ قرية، قال: ومعنى كأَيِّن رُبَّ، وقال: وإِن حذفت من فهو عربي؛ وقال الخليل: إِن جَرَّها أَحدٌ من العرب فعسى أَن يجرّها بإِضمار من، كما جاز ذلك في كم، قال: وقال الخليل كأَيِّنْ عملت فيما بعدها كعمل أَفضلهم في رجل فصار أَيّ بمنزلة التنوين، كما كان هم من قولهم أَفضلهم بمنزلة التنوين، قال: وإِنما تجيء الكاف للتشبيه فتصير هي وما بعدها بمنزلة شيء واحد، وكائِنْ بزنة كاعِنْ مغير من قولهم كأَيِّنْ. قال ابن جني: إن سأَل سائل فقال ما تقول في كائِنْ هذه وكيف حالها وهل هي مركبة أَو بسيطة؟ فالجواب إِنها مركبة، قال: والذي عَلَّقْتُه عن أَبي علي أَن أَصلها كأَيَّنْ كقوله تعالى: وكأَيِّنْ من قرية؛ ثم إِن العرب تصرفت في هذه الكلمة لكثرة استعمالها إِياها، فقدمت الياء المشددة وأَخرت الهمزة كما فعلت ذلك في عِدّة مواضع نحو قِسِيّ وأَشْياء في قول الخليل، وشاكٍ ولاثٍ ونحوهما في قول الجماعة، وجاءٍ وبابه في قول الخليل أَيضاً وغير ذلك، فصار التقدير فيما بَعْدُ كَيِّئٌ، ثم إِنهم حذفوا الياء التانية تخفيفاً كما حذفوها في نحو مَيِّت وهَيِّن ولَيِّن فقالوا مَيْت وهَيْن ولَيْن، فصار التقدير كَيْئٌ، ثم إِنهم قلبوا الياء أَلفاً لانفتاح ما قبلها كما قلبوا في طائيّ وحارِيٍّ وآيةٍ في قول الخليل أَيضاً، فصارت كائِنْ. وفي كأَيِّنْ لغات: يقال كأَيِّنْ وكائِنْ وكأْيٌ، بوزنَ رَميٍ، وكإٍ بوزن عَمٍ؛ حكى ذلك أَحمد بن يحيى، فمن قال كأَيِّنْ فهي أَيٌّ دخلت عليها الكاف، ومن قال كائِنْ فقد بيَّنَّا أَمره، ومن قال كأْي بوزن رَمْي فأَشبه ما فيه أَنه لما أَصاره التغيير على ما ذكرنا إِلى كَيْءٍ قدّم الهمزة وأَخر الياء ولم يقلب الياءَ أَلفاً، وحَسَّنَ ذلك ضَعْف هذه الكلمة وما اعْتَوَرَها من الحذف والتغيير، ومن قال كإٍ بوزن عَمٍ فإنه حذف الياء من كَيْءٍ تخفيفاً أَيضاً، فإِن قلت: إِن هذا إِجحاب بالكلمة لأَنه حذف بعد حذف فليس ذلك بأَكثر من مصيرهم بأَيْمُن الله إِلى مُنُ اللهِ ومِ الله، فإِذا كثر استعمال الحذف حسن فيه ما لا يحسن في غيره من التغيير والحذف. وقوله عز وجل: وكأَيِّنْ من قرية؛ فالكاف زائدة كزيادتها في كذا وكذا، وإِذا كانت زائدة فليست متعلقة بفعل ولا بمعنى فعل. وتكون أَيٌّ جزاء، وتكون بمعنى الذي، والأُنثى من كل ذلك أَيّة، وربما قيل أَيُّهن منطلقةٌ، يريد أَيَّتهن؛ وأَيّ: استفهام فيه معنى التعجب فيكون حينئذ صفة للنكرة وحالاً للمعرفة نحو ما أَنشده سيبويه للراعي: فأَوْمَأْتُ إِيماءً خَفيّاً لحَبْتَرٍ، ولله عَيْنا حبتر أَيَّما فَتى أَي أَيَّما فَتىً هو، يتعجب من اكتفائه وشدة غَنائه. وأَيّ: اسم صيغ ليتوصل به إِلى نداء ما دخلته الأَلف واللام كقولك يا أَيها الرجل ويا أَيها الرجلان ويا أَيها الرجال، ويا أَيتها المرأَة ويا أَيتها المرأَتان ويا أَيتها النسوة ويا أَيها المرأَة ويا أَيها المرأَتان ويا أَيها النسوة. وأَما قوله عز وجل: يا أَيها النملُ ادخلوا مساكنَكم لا يَحْطِمَنَّكم سليمانُ وجنودُه؛ فقد يكون على قولك يا أَيها المرأَة ويا أََيها النسوة، وأَما ثعلب فقال: إِنما خاطب النمل بيا أَيها لأَنه جعلهم كالناس فقال يا أَيها النمل كما تقول للناس يا أَيها الناس، ولم يقل ادخلي لأَنها كالناس في المخاطبة، وأَما قوله: يا أَيها الذين آمنوا، فيا أَيُّ نداء مفرد مبهم والذين في موضع رفع صفة لأَيها، هذا مذهب الخليل وسيبويه، وأَما مذهب الأَخفش فالذين صلة لأَيّ، وموضع الذين رفع بإِضمار الذكر العائد على أَيّ، كأَنه على مذهب الأَخفش بمنزلة قولك يا من الذي أَي يا من هم الذين وها لازمة لأَي عوضاً مما حذف منها للإضافة وزيادةً في التنبيه، وأَجاز المازني نصب صفة أَي في قولك يا أَيها الرجلَ أَقبل، وهذا غير معروف، وأَيّ في غير النداء لا يكون فيها ها، ويحذف معها الذكر العائد عليها، تقول: اضرب أَيُّهم أَفضل وأَيَّهم أَفضل، تريد اضرب أَيَّهم هو أَفضلُ. الجوهريّ: أَيٌّ اسم معرب يستفهم بها ويُجازَى بها فيمن يعقل وما لا يعقل، تقول أَيُّهم أَخوك، وأَيُّهم يكْرمني أُكْرِمْه، وهو معرفة للإضافة، وقد تترك الإضافة وفيه معناها، وقد تكون بمنزلة الذي فتحتاج إِلى صلة، تقول أَيُّهم في الدار أَخوك؛ قال ابن بري: ومنه قول الشاعر: إِذا ما أَتيتَ بني مالكٍ، فَسَلِّمْ على أَيُّهم أَفضلُ قال: ويقال لا يَعْرِفُ أَيّاً من أَيٍّ إِذا كان أَحمق؛ وأَما قول الشاعر: إِذا ما قيلَ أَيُّهمُ لأيٍّ، تَشابَهَتِ العِبِدَّى والصَّمِيمُ فتقديره: إِذا قيل أَيُّهم لأَيٍّ يَنْتَسِبُ، فحذف الفعل لفهم المعنى، وقد يكون نعتاً، تقول: مررت برجل أَيِّ رجلٍ وأَيِّما رجلٍ، ومررت بامرأَة أَيَّةِ امرأَة وبامرأَتين أَيَّتما امرأَتين، وهذه امرأَةٌ أَيَّةُ امرأَةٍ وأَيَّتُما امرأَتين، وما زائدة. وتقول: هذا زيد أَيَّما رجل، فتنصب أَيّاً على الحال، وهذه أَمةُ الله أَيَّتَما جاريةٍ. وتقول: أَيُّ امرأَة جاءتك وجاءك، وأَيَّةُ امرأَةٍ جاءتك، ومررت بجارية أَيِّ جاريةٍ، وجئتك بمُلاءةٍ أَيِّ مُلاءَةٍ وأَيَّةِ مُلاءَةٍ، كل جائز. وفي التنزيل العزيز: وما تَدْرِي نفسٌ بأَيِّ أَرضٍ تموتُ. وأَيٌّ: قد يتعجب بها؛ قال جميل: بُثَيْنَ، الْزَمِي لا، إِنَّ لا، إِنْ لَزِمْتِهِ على كَثْرَةِ الواشِينَ، أَيُّ مَعُونِ قال الفراء: أَيٌّ يعمل فيه ما بعده ولا يعمل فيه ما قبله. وفي التنزيل العزيز: لنعلم أَيُّ الحزبين أَحْصَى؛ فرفع، وفيه أَيضاً: وسيعلم الذين ظلموا أَيَّ مُنْقَلب ينقلبون؛ فنصبه بما بعده؛ وأَما قول الشاعر: تَصِيحُ بنا حَنِيفَةُ، إِذْ رأَتْنا، وأَيَّ الأَرْضِ تَذْهَبُ للصِّياحِ فإِنما نصبه لنزع الخافض، يريد إلى أَي الأَرض. قال الكسائي: تقول لأَضْرِبَنّ أَيُّهم في الدار، ولا يجوز أَن تقول ضربت أَيُّهم في الدار، ففرق بين الواقع والمُنْتَظَرِ، قال: وإِذا نادَيت اسماً فيه الأَلف واللام أَدخلت بينه وبين حرف النداء أَيُّها، فتقول يا أَيها الرجل ويا أَيتها المرأَة، فأَيّ اسم مبهم مفرد معرفة بالنداء مبني على الضم، وها حرف تنبيه، وهي عوض مما كانت أَيّ تضاف إِليه، وترفع الرجل لأَنه صفة أَيّ. قال ابن بري عند قول الجوهري وإِذا ناديت اسماً فيه ا لأَلف واللام أَدخلت بينه وبين حرف النداء أَيها، قال: أَي وُصْلة إِلى نداء ما فيه الأَلف واللام في قولك يا أَيها الرجل، كما كانت إِيَّا وُصْلَةَ المضمر في إياه وإياك في قول من جعل إيَّا اسماً ظاهراً مضافاً، على نحو ما سمع من قول بعض العرب: إِذا بلغ الرجل الستين فإِيَّاه وإِيَّا الشَّوابِّ؛ قال: وعليه قول أَبي عُيَيْنَة: فَدَعني وإِيَّا خالدٍ، لأُقَطِّعَنَّ عُرَى نِياطِهْ وقال أَيضاً: فَدَعني وإِيَّا خالدٍ بعدَ ساعةٍ، سَيَحْمِلُه شِعْرِي على الأَشْقَرِ الأَغَرّ وفي حديث كعب بن مالك: فَتَخَلَّفْنا أَيَّتُها الثلاثة؛ يريد تَخَلُّفَهم عن غزوة تَبُوكَ وتأَخُّر توبتهم. قال: وهذه اللفظة تقال في الاختصاص وتختص بالمُخْبر عن نفسه والمُخاطَب، تقول أَما أَنا فأَفعل كذا أَيُّها الرجلُ، يعني نفسه، فمعنى قول كعب أَيتها الثلاثة أَي المخصوصين بالتخلف. وقد يحكى بأَيٍّ النكراتُ ما يَعْقِلُ وما لا يعقل، ويستفهم بها، وإِذا استفهمت بها عن نكرة أَعربتها بإِعراب الاسم الذي هو اسْتِثبات عنه، فإِذا قيل لك: مرَّ بي رجل، قلتَ أَيٌّ ىا فتى؟ تعربها في الوصل وتشير إِلى الإِعراب في الوقف، فإِن قال: رأَيت رجلاً، قلت: أَيّاً يا فتى؟ تعرب وتنوّن إِذا وصلت وتقف على الأَلف فتقول أَيَّا، وإِذا قال: مررت برجل، قلتَ: أَيٍّ يا فتى؟ تعرب وتنوّن، تحكي كلامه في الرفع والنصب والجر في حال الوصل والوقف؛ قال ابن بري: صوابه في الوصل فقط، فأَما في الوقف فإِنه يوقف عليه في الرفع والجر بالسكون لا غير، وإِنما يتبعه في الوصل والوقف إِذا ثناه وجمعه، وتقول في التثنية والجمع والتأْنيث كما قيل في من، إِذا قال: جاءني رجال، قلتَ: أَيُّونْ، ساكنة النون، وأَيِّينْ في النصب والجر، وأَيَّهْ للمؤنث؛ قال ابن بري: صوابه أَيُّونَ بفتح النون، وأَيِّينَ بفتح النون أَيضاً، ولا يجوز سكون النون إِلا في الوقف خاصة، وإِنما يجوز ذلك في مَنْ خاصة، تقول مَنُونْ ومَنِينْ، بالإِسكان لا غير. قال: فإِن وصلت قلتَ أَيَّة يا هذا وأَيَّات يا هذا، نوَّنتَ، فإن كان الاستثباتُ عن معرفة رفعتَ أَيّاً لا غير على كل حال، ولا يحكى في المعرفة ليس في أَيٍّ مع المعرفة إِلا الرفع، وقد يدخل على أَيّ الكاف فتنقل إِلى تكثير العدد بمعنى كم في الخبر ويكتب تنوينه نوناً، وفيه لغتان: كائِنْ مثل كاعِنْ، وكأَيِّنْ مثل كعَيِّنْ، تقول: كأَيِّنْ رجلاً لقيت، تنصب ما بعد كأَيِّنْ على التمييز، وتقول أَيضاً: كأَيِّنْ من رجل لقيت، وإِدخال من بعد كأَيِّنْ أَكثر من النصب بها وأَجود، وبكأَيِّنْ تبيع هذا
الثوب؟ أَي بكم تبيع؛ قال ذو الرمة: وكائِنْ ذَعَرْنا مِن مَهاةٍ ورامِحٍ، بِلادُ الوَرَى لَيْسَتْ له بِبلادِ قال ابن بري: أَورد الجوهري هذا شاهداً على كائن بمعنى كَمْ، وحكي عن ابن جني قال لا تستعمل الوَرَى إِلا في النفي، قال: وإِنما حسن لذي الرمة استعماله في الواجب حيث كان منفيّاً في المعنى لأَن ضميره منفي، فكأَنه قال: ليست له بلاد الورى ببلاد. وأَيَا: من حروف النداء يُنادَى بها القريب والبعيد، تقول أَيَا زيدُ أَقْبِل. وأَيْ، مثال كَيْ: حرفٌ يُنادَى بها القريب دون البعيد، تقول أَيْ زيدُ أَقبل، وهي أَيضاً كلمة تتقدم التفسير، تقول أَيْ كذا بمعنى يريد كذا، كما أَن إِي بالكسر كلمة تتقدم القسم، معناها بلى، تقول إِي وربي وإِي والله. غيره أَيا حرف نداء، وتبدل الهاء من الهمزة فيقال: هيا؛ قال: فانْصَرَفَتْ، وهي حَصانٌ مُغْضَبَهْ، ورَفَعَتْ بصوتِها: هَيَا أَبه قال ابن السكيت: يريد أَيا أَبَهْ، ثم أَبدل الهمزة هاء، قال: وهذا صحيح لأَن أَيا في النداء أَكثر من هَيَا، قال: ومن خفيفه أَيْ معناه العبارةُ، ويكون حرف نداء. وإِيْ: بمعنى نعم وتوصل باليمين، فيقال إِي والله، وتبدل منها هاء فيقال هِي. والآيةُ: العَلامَةُ، وزنها فَعَلَةٌ في قول الخليل، وذهب غيره إِلى أن أَصلها أَيَّةٌ فَعْلَةٌ فقلبت الياء أَلفاً لانفتاح ما قبلها، وهذا قلب شاذ كما قلبوها في حارِيّ وطائِيٍّ إِلا أَن ذلك قليل غير مقيس عليه، والجمع آياتٌ وآيٌ، وآياءٌ جمعُ الجمع نادرٌ؛ قال: لم يُبْقِ هذا الدَّهْر، من آيائِه، غيرَ أَثافِيهِ وأَرْمِدائِه وأَصل آية أَوَيَةٌ، بفتح الواو، وموضع العين واو، والنسبة إِليه أَوَوِيّ، وقيل: أَصلها فاعلة فذهبت منها اللام أَو العين تخفيفاً، ولو جاءت تامة لكانت آيِيَةً. وقوله عز وجل: سَنُريهم آياتنا في الآفاق؛ قال الزجاج: معناه نريهم الآيات التي تدل على التوحيد في الآفاق أَي آثارَ من مَضَى قبلهم من خلق الله، عز وجل، في كل البلاد وفي أَنفسهم من أَنهم كانوا نُطَفاً ثم عَلَقاً ثم مُضَغاً ثم عظاماً كسيت لحماً، ثم نقلوا إِلى التمييز والعقل، وذلك كله دليل على أَن الذي فعله واحد ليس كمثله شيء، تبارك وتقدس. وتَأَيَّا الشيءَ: تَعَمَّد آيَتَهُ أَي شَخْصَه. وآية الرجل: شَخْصُه. ابن السكيت وغيره: يقال تآيَيْتُه، على تَفاعَلْتُه، وتَأَيَّيْتُه إِذا تعمدت آيته أَي شخصه وقصدته؛ قال الشاعر: الحُصْنُ أَدْنَى، لو تَأَيَّيْتِهِ، من حَثْيِكِ التُّرْبَ على الراكبِ يروى بالمد والقصر؛ قال ابن بري: هذا البيت لامرأَة تخاطب ابنتها وقد قالت لها: يا أُمَّتي، أَبْصَرَني راكبٌ يَسيرُ في مُسْحَنْفِرٍ لاحِبِ ما زِلْتُ أَحْثُو التُّرْبَ في وَجْهِه عَمْداً، وأَحْمِي حَوزةَ الغائِبِ فقالت لها أُمها: الحُصْنُ أَدنى، لو تأَيَّيته، من حَثْيِك الترب على الراكبِ قال: وشاهد تآيَيْتُه قول لَقيط بن مَعْمَر الإِياديّ: أَبْناء قوم تآيَوْكُمْ على حَنَقٍ، لا يَشْعُرونَ أَضرَّ اللهُ أَم نَفَعَا وقال لبيد: فَتآيا، بطَرِيرٍ مُرْهَفٍ، حُفْرَةَ المَحْزِمِ منه، فَسَعَلْ وقوله تعالى: يُخْرجون الرسول وإِياكم؛ قال أَبو منصور: لم أَسمع في تفسير إِيا واشتقاقه شيئاً، قال: والذي أَظنه، ولا أَحقُّه، أَنه مأْخوذ من قوله تآييته على تفاعلته أَي تعمدت آيته وشخصه، وكأَنَّ إِيا اسم منه على فِعْلى، مثل الذِّكْرى من ذكرت، فكان معنى قولهم إِيَّاك أَردتُ أَي قصدت قصدك وشخصك، قال: والصحيح أَن الأَمر مبهم يكنى به عن المنصوب. وأَيَّا آيةً: وضع علامة. وخرج القوم بآيَتهم أَي بجماعتهم لم يَدععوا وراءهم شيئاً؛ قال بُرْج بن مُسْهِر الطائي: خَرَجْنا من النَّقْبَين، لا حَيَّ مِثْلُنا، بآيتنا نُزْجِي اللِّقاحَ المَطافِلا والآيةُ: من التنزيل ومن آيات القرآن العزيز؛ قال أَبو بكر: سميت الآية من القرآن آية لأَنها علامة لانقطاع كلام من كلام. ويقال: سميت الآية آية لأَنها جماعة من حروف القرآن. وآيات الله: عجائبه. وقال ابن حمزة: الآية من القرآن كأَنها العلامة التي يُفْضَى منها إِلى غيرها كأَعلام الطريق المنصوبة للهداية كما قال: إِذا مَضَى عَلَمٌ منها بدا عَلم والآية: العلامة. وفي حديث عثمان: أَحَلَّتْهما آيةٌ وَحرَّمَتْهُما آية؛ قال ابن الأَثير: الآية المُحِلَّةُ قوله تعالى: أَو ما ملكت أَيمانكم؛ والآية المحرّمة قوله تعالى: وأَن تجمعوا بين الأُختين إِلا ما قد سلف؛ والآية: العِبْرَة، وجمعها آيٌ. الفراء في كتاب المصادر: الآية من الآيات والعبَر، سميت آية كما قال تعالى: لقد كان في يوسف وإِخوته آيات؛ أَي أُمور وعِبَرٌ مختلفة، وإِنما تركت العرب همزتها كما يهمزون كل ما جاءت بعد أَلف ساكنة لأَنها كانت فيما يرى في الأصل أَيَّة، فثقل عليهم التشديد فأَبدلوه أَلفاً لانفتاح ما قبل التشديد، كما قالوا أَيْما لمعنى أَمَّا، قال: وكان الكسائي يقول إِنه فاعلة منقوصة؛ قال الفراء: ولو كان كذلك ما صغرها إِيَيَّة، بكسر الأَلف؛ قال: وسأَلته عن ذلك فقال صغَّروا عاتكة وفاطمة عُتَيْكة وفُطَيْمة، فالآية مثلهما، وقال الفراء: ليس كذلك لأَن العرب لا تصغر فاعلة على فُعَيْلة إِلا أَن يكون اسماً في مذهب فُلانَة فيقولون هذه فُطَيْمة قد جاءت إِذا كان اسماً، فإِذا قلت هذه فُطَيْمة ابْنِها يعني فاطِمتَه من الرضاع لم يجز، وكذلك صُلَيْح تصغيراً لرجل اسمه صالح، ولو قال رجل لرجل كيف بِنْتُك قال صُوَيْلِح ولم يجِز صُلَيْح لأَنه ليس باسم، قال: وقال بعضهم آية فاعلة صيرت ياؤها الأُولى أَلفاً كما فعل بحاجة وقامَة، والأَصل حائجة وقائمة. قال الفراء: وذلك خطأٌ لأَن هذا يكون في أَولاد الثلاثة ولو كان كما قالوا لقيل في نَواة وحَياة نايَة وحايَة، قال: وهذا فاسد. وقوله عز وجل: وجعلنا ابن مريم وأُمَّه آيَةً، ولم يقل آيَتَيْن لأَن المعنى فيهما معنى آية واحدة، قال ابن عرفة: لأَن قصتهما واحدة، وقال أَبو منصور: لأَن الآية فيهما معاً آيةٌ واحدة، وهي الولادة دون الفحل؛ قال ابن سيده: ولو قيل آيتين لجاز لأَنه قد كان في كل واحد منهما ما لم يكن في ذكر ولا أُنثى من أَنها ولَدَتْ من غير فحل، ولأَن عيسى، عليه السلام، روح الله أَلقاه في مريم ولم يكن هذا في وَلدٍ قط، وقالوا: افعله بآية كذا كما تقول بعلامة كذا وأَمارته؛ وهي من الأسماء المضافة إِلى الأَفعال كقوله: بآيَة تُقْدِمُون الخَيْلَ شُعْثاً، كأَنَّ، على سَنابِكِها، مُداما وعين الآية ياء كقول الشاعر: لم يُبْقِ هذا الدهرُ من آيائه فظهور العين في آيائه يدل على كون العين ياء، وذلك أَن وزن آياء أَفعال، ولو كانت العين واواً لقال آوائه، إذ لا مانع من ظهور الواو في هذا الموضع. وقال الجوهري: قال سيبويه موضع العين من الاية واو لأن ما كان مَوْضعَ العين منه واوٌ واللام ياء أَكثر مما موضع العين واللام منه ياءَان، مثل شَوَيْتُ أَكثر من حَيِيت، قال: وتكون النسبة إليه أوَوِيُّ؛ قال الفراء: هي من الفعل فاعلة، وإنما ذهبت منه اللام، ولو جاءت تامة لجاءت آييَة، ولكنها خُففت، وجمع الآية آيٌ وآياتٌ؛ وأَنشد أَبو زيد: لم يبق هذا الدهر من آيايه قال ابن بري: لم يذكر سيبويه أَن عين آية واو كما ذكر الجوهري، وإنما قال أَصلها أَيّة، فأُبدلت الياء الساكنة أَلفا؛ وحكي عن الخليل أَن وزنها فَعَلة، وأَجاز في النسب إلى آية آييٌ وآئِيٌّ وآوِيٌّ، قال: فأَما أَوَوِيٌّ فلم يقله أَحد علمته غير الجوهري. وقال ابن بري أَيضا عند قول الجوهري في جمع الآية آياي، قال: صوابه آياء، بالهمز، لأَن الياء إذا وقعت طرفاً بعد أَلف زائدة قلبت همزة، وهو جمع آيٍ لا آيةٍ. وتَأَيا أَي توقَّف وتَمَكَّث، تقديره تَعَيَّا. ويقال: قد تَأيَّيت على تَفَعَّلت أَي تَلَبَّثت وتَحَبَّست. ويقال: ليس منزلكم بدار تَئِيَّةٍ أَي بمنزلة تَلَبُّثٍ وتَحَبُّس؛ قال الكميت: قِفْ بالدِّيارِ وُقوفَ زائرْ، وتَأَيَّ، إنَّك غَيْرُ صاغرْ وقال الحُويْدِرة: ومُناخِ غَيْرِ تَئِيَّةٍ عَرَّسْتُه، قَمِنٍ مِنَ الحِدْثانِ نابي المَضْجَع والتَّأَيِّي: التَّنَظُّر والتُّؤَدة. يقال: تأَيَّا الرجلُ بتأَيَّا تَأَيِّياً إذا تأَنى في الأَمر؛ قال لبيد: وتأيَّيْتُ عليه ثانياً، يَتَّقِيني بتَلِيلٍ ذي خُصَل أَي انصرفت على تُؤَدةٍ مُتَأَنيَّا؛ قال أَبو منصور: معنى قوله وتأَيَّيت عليه أَي تَثَبَّتُّ وتمكَّثت، وأَنا عليه يعني في فرسه. وتَأَيَّا عليه: انصرف في تؤدة. وموضع مأْبيُّ الكلإ أَي وَخِيمه. وإيا الشمس وأَياؤها: نورها وضوءها وحسنها، وكذلك إياتها وأَياتُها، وجمعها آياء وإياء كأكَمة وإكام؛ وأَنشد الكسائي لشاعر: سَقَتْه إياةُ الشمس، إلاَّ لثاتِهِ أُسِفَّ، ولم تَكْدِمْ عليه بإثْمِد. قال الأَزهري: يقال الأَياء، مفتوح الأَول بالمد، والإيا، مكسور الأَول بالقصر، وإياةٌ، كله واحدٌ: شعاع الشمس وضوءها؛ قال: ولم أَسمع لها فعلاً، وسنذكره في الأَلف اللينة أَيضاً. وإيا النبات وأَيَاؤه: حسنه وزَهْره، في التشبيه. وأَيَايا وأَيايَهْ ويَايَهْ، الأَخيرة على حذف الفاء: زَجْرٌ للإبل، وقد أَيَّا بها. الليث: يقال أَيَّيْتُ بالإبل أُأَيِّي بها تَأْيِيةً إذا زجرتها تقول لها أَيَا أَيَا؛ قال ذو الرمة: إذا قال حادِينا، أَيَا يَا اتَّقَيْنهُ بمثْلِ الذُّرى مُطْلَنْفِئات العَرائِك
بأي: البَأْواءُ، يمدّ ويقصر: وهي العَظَمة، والبَأْوُ مثله، وبأَي عليهم يَبْأَى بأْواً، مثال بَعى يَبْعى بَعْواً: فَخَرَ. والبَأْوُ: الكِبْرُ والفخر. بأَيْتُ عليهم أَبْأَى: فَخَرْتَ عليهم، لغة في بَأَوْتُ على القوم أَبْأى بَأْواً؛ حكاه اللحياني في باب مَحَيْتُ ومَحَوْتُ وأَخواتها؛ قال حاتم: وما زادَنا بَأْواً على ذي قَرابةٍ غِنانا، ولا أَزْرى بأَحْسابنا الفَقْرُ وبأَى نَفْسَه: رفعها وفَخَر بها. وفي حديث ابن عباس: فبَأَوْتُ بنفسي ولم أَرْضَ بالهوان. وفيه بَأْوٌ؛ قال يعقوب: ولا يقال بَأْواء، قال: وقد روى الفقهاء في طلحة بأْواءُ. وقال الأَخفش: البَأْوُ في القوافي كل قافية تامة البناء سليمة من الفساد، فإذا جاء ذلك في الشعر المجزوء لم يسموه بأْواً وإن كانت قافيته قد تمَّت؛ قال ابن سيده: كل هذا قول الأَخفش، قال: سمعناه من العرب وليس مما سماه الخليل، قال: وإنما تؤخذ الأَسماء عن العرب؛ قال ابن جني: لما كان أَصل البَأْوِ الفخر نحو قوله: فإنْ تَبْأَى ببَيْتِكَ من مَعَدٍّ، يَقُلْ تَصْديقَكَ العُلَماءُ جَيْرِ لم يُوقَعْ على ما كان من الشعر مجزوءاً لأَن جَزْأَه علة وعيب لحقه، وذلك ضد الفخر والتطاول؛ وقوله: فإن تبأَى مفاعيلن. وقال بعضهم: بَأَوْتُ أْبؤُومثل أَبْعو، قال: وليست بجيدة. والناقة تبأَى: تَجْهَدُ في عدوها؛ وقوله أَنشده ابن الأَعرابي: أَقولُ والعِيس تَبَا بِوَهْد فسره فقال: أَراد تَبْأَى أَي تَجْهَدُ في عَدْوها، وقيل: تَتسامى وتَتَعالى، فأَلقى حركة الهمزة على الساكن الذي قبلها. وبَأَيْتُ الشيء: جمعته وأَصلحته؛ قال: فهي تُبَئِّي زادَهم وتَبْكُلُ وأَبْأَيْتُ الأَديم وأَبْأَيْتُ فيه: جعلت فيه الدباغ؛ عن أَبي حنيفة. ابن الأَعرابي: تَأَبَّى أَي شَقَّ شيئاً. ويقال: بأَى به بوزن بَعى به إذا شَقَّ به. وحكى الفراء: باءَ بوزن باع إذا تكبر، كأَنه مقلوب من بأَى كما قالوا راءَ ورأَى.
بتا: بتَا بالمكان بَتْواً: أَقام، وقد ذكر في الهمز. وبَتا بَتْواً أَفصحُ.
بثا: الفراء: بثا إذا عرق، الباء قبل الثاء. قال أَبو منصور: ورأَيت في ديار بني سَعْدٍ بالستارَيْنِ عينَ ماء تَسْقي نخلاً رَيْناً. يقال له بَثَاءٌ، فتوهمت أَنه سمي بهذا الاسم لأَنه قليل رَشْحٍ، فكأَنه عَرَقٌ يسيل. وبَثا به عند السلطان يَبْثُو سيعه، وأَرض بَثاءٌ: سهلة؛ قال: بأَرضٍ بَثَاءٍ نصيفِيَّةٍ، تَمَنَّى بها الرِّمْثُ والحَيْهَلُ والبيت في التهذيب: لِمَيْثٍ بَثاءٍ تَبَطَّنْتُه، دَمِيثٍ به الرِّمْثُ والحَيْهَلُ والبيت في التهذيب: لِمَيْثٍ بَثاءٍ تَبَطَّنْتُه، دَمِيثٍ به الرِّمْث والحَيْهَلُ والحَيْهَلُ: جمع حَيْهَلةٍ، وهو نبت؛ وهذا البيت أَورده ابن بري في أَماليه ونسبه لحُمَيْدِ بن ثور وأَنشده: بمَيْثٍ بَثاء نصيفية، دَمِيثٍ بها الرِّمْثُ والحَيْهَلُ فإما أَن يكون هو أَو غيره؛ قال أَبو منصور: أَرى بَثاءً الماءَ الذي في ديار بني سعد أُخذ من هذا، وهو عين جارية تسقي نخلاً ريناً في بلد سَهْل طَيِّبٍ عَذاةٍ. وبَثاءٌ: موضع. قال ابن سيده: قضينا عليه بالواو لوجود ب ث و، وعدم ب ث ي. والبَثَاءُ: أَرض سهلة؛ ويقال: بل هي أَرض بعينها من بلاد بني سُلَيم؛ قال أَبو ذؤيب يصف عيراً تحملتْ: رَفَعتُ لها طَرفي، وقد حال دُونها رجالٌ وخَيلٌ بالبَثَاء تُغِيرُِ قال ابن بري: وأَنشد المفضل: بنَفْسي ماءُ عَبْشَمْسِ بنِ سَعْدٍ، غَداةَ بَثاءَ، إذْ عَرَفُوا اليَقِينا والبثاءُ: الكثير الشَّحم. والبَثِيُّ: الكثيرُ المدحِ للناسِ ؛ قال شمر وقول أَبي عمرو: لَمّا رأَيتُ البَطَلَ المُعاوِرا، قُرَّةَ، يَمشِي بالبثاء حاسِرا قال: البَثاءُ المكان السهل. والبِثى، بكسر الباء: الرماد، واحدتها بِثَةٌ مثلُ عِزَةٍ وعِزىً؛ قال الطرماح: خَلا أَنَّ كُلْفاً بِتَخْريجها سَفاسِقَ، حَولَ بِثىً، جانِحَه أَراد بالكُلف الأَثافي المسودّة، وتخريجها: اختلاف أَلوانها، وقوله حول بِثىً، أَراد حول رماد. الفراء: هو الرّمْدِدُ، والبِثى يكتب بالياء، والصِّنى والصِّناءُ والضِّبحُ والأُسُّ بقيتُه وأَثره.
بجا: بجَاء: قبيلة، والبَجاوِيَّاتُ من النوق منسوبة إليها. قال ابن بري: قال الرَّبَعِيُّ البَجاوِيَّات منسوبة إلى بَجاوَةَ، قبيلة، يُطارِدونَ عليها كما يُطارَدُ على الخيل، قال: وذكر القَزَّازُ بُجاوَةَ وبِجاوَةَ، بالضم والكسر، ولم يذكر الفتح؛ وفي شعر الطرماح بُجاوِيَّةٌ، بضم الباء، منسوب إلى بُجاوَةَ موضع من بلاد النُّوبةِ وهو: بُجاوِيَّة لم تسْتَدرْ حَوْلَ مَثْبِرٍ، ولم يَتَخَوَّنْ درَّها ضَبُّ آفِن وفي الحديث: كانَ أَسْلَمُ مولى عمر، رضي الله عنه، بَجاوِيّاً؛ هو منسوب إلى بَجاوَة جِنْسٍ من السُّودان، وقيل: هي أَرض بها السُّودانُ.
بخا: البَخْو: الرِّخْوُ. وثمرة بَخْوَة: خاوية، يمانية. والبَخْوُ: الرُّطَبُ الرديء، بالخاء المعجمة، الواحدة بَخْوَة، والله أَعلم.
بدا: بَدا الشيءُ يَبْدُو بَدْواً وبُدُوّاً وبَداءً وبَداً؛ الأَخيرة عن سيبويه: ظهر. وأَبْدَيْته أَنا: أَظهرته. وبُدَاوَةُ الأَمر: أَوَّلُ ما يبدو منه؛ هذه عن اللحياني، وقد ذكر عامةُ ذلك في الهمزة. وبادي الرأْي: ظاهرُه؛ عن ثعلب، وقد ذكر في الهمز. وأَنت بادِيَ الرأْي تَفْعَلُ كذا، حكاه اللحياني بغير همز، ومعناه أَنت فيما بَدَا من الرأْي وظهر. وقوله عز وجل: ما نراك اتَّبَعَك إلا الذين هم أَراذلنا بادِيَ الرأْي؛ أَي في ظاهر الرأْي، قرأَ أَبو عمرو وحده بادىَ الرأْي، بالهمز، وسائر القراء قرؤوا بادِيَ، بغير همز، وقال الفراء: لا يهمز بادِيَ الرأْي لأَن المعنى فيما يظهر لنا ويَبْدُو، ولو أَراد ابتداء الرأْي فهَمَز كان صواباً؛ وأَنشد: أَضْحَى لِخالي شَبَهِي بادِي بَدِي، وصار َ للفَحْلِ لِساني ويَدِي أَراد به: ظاهري في الشبه لخالي. قال الزجاج: نصب بادِيَ الرأْي على اتبعوك في ظاهر الرأْي وباطنُهم على خلاف ذلك، ويجوز أَن يكون اتبعوك في ظاهر الرأْي ولم يَتَدَبَّرُوا ما قلتَ ولم يفكروا فيه؛ وتفسير قوله: أَضحى لخالي شبهي بادي بدي معناه: خرجت عن شَرْخ الشباب إلى حدّ الكُهُولة التي معها الرأْيُ والحِجا، فصرت كالفحولة التي بها يقع الاختيار ولها بالفضل تكثر الأَوصاف؛ قال الجوهري: من همزه جعله من بَدَأْتُ معناه أَوَّلَ الرَّأْيِ. وبادَى فلانٌ بالعداوة أَي جاهر بها، وتَبادَوْا بالعداوة أَي جاهَرُوا بها. وبَدَا له في الأَمر بَدْواً وبَداً وبَدَاءً؛ قال الشَّمَّاخ: لَعَلَّك، والمَوْعُودُ حقُّ لقاؤه، بَدَا لكَ في تلك القَلُوص بَداءُ. وقال سيبويه في قوله عز وجل: ثم بدا لهم من بعد ما رأَوا الآيات ليَسْجُنُنَّه؛ أَراد بدا لهم بَداءٌ وقالوا ليسجننه، ذهب إلى أَن موضع ليسجننه لا يكون فاعلَ بَدَا لأَنه جملة والفاعل لا يكون جملة. قال أَبو منصور: ومن هذا أَخذ ما يكتبه الكاتب في أَعقاب الكُتُب. وبَداءَاتُ عَوارِضك، على فَعَالاتٍ، واحدتها بَدَاءَةٌ بوزن فَعَالَة: تأنيث بَدَاءٍ أَي ما يبدو من عوارضك؛ قال: وهذا مثل السَّمَاءة لِمَا سَمَا وعَلاك من سقف أَو غيره، وبعضهم يقول سَمَاوَةٌ، قال: ولو قيل بَدَواتٌ في بَدَآت الحَوائج كان جائزاً. وقال أَبو بكر في قولهم أَبو البَدَوَاتِ، قال: معناه أبو الآراء التي تظهر له، قال: وواحدة البَدَوَات بَدَاةٌ، يقال بَداة وبَدَوات كما يقال قَطاة وقَطَوات، قال: وكانت العرب تمدح بهذه اللفظة فيقولون للرجل الحازم ذو بَدَوات أَي ذو آراء تظهر له فيختار بعضاً ويُسْقطُ بعضاً؛ أَنشد الفراء: من أَمْرِ ذي بَدَاوتٍ مَا يَزالُ له بَزْلاءُ، يَعْيا بها الجَثَّامةُ اللُّبَدُ قال: وبَدا لي بَدَاءٌ أَي تَغَيَّر رأْي على ما كان عليه. ويقال: بَدا لي من أَمرك بَداءٌ أَي ظهر لي. وفي حديث سلمة بن الأَكْوَع: خرجت أَنا وربَاحٌ مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعي فرسُ أَبي طلحة أُبَدّيه مع الإبل أَي أُبْرزُه معها إلى موضع الكَلإ. وكل شيء أَظهرته فقد أَبديته وبَدَّيته؛ ومنه الحديث: أَنه أَمر أَن يُبادِيَ الناسَ بأَمره أَي يظهره لهم؛ ومنه الحديث: من يُبْدِ لنا صَفْحَتَه نُقِمْ عليه كتابَ الله أَي من يظهر لنا فعله الذي كان يخفيه أَقمنا عليه الحد. وفي حديث الأَقْرع والأَبْرص والأَعمى: بَدَا اللهُ عز وجل أَن يبتليهم أَي قضى بذلك؛ قال ابن الأَثير: وهو معنى البَداء ههنا لأَن القضاء سابق، والبداءُ استصواب شيء عُلم بعد أَن لم يَعْلم، وذلك على الله غير جائز. وقال الفراء: بَدا لي بَداءٌ أَي ظهر لي رأْيٌ آخر؛ وأَنشد: لو على العَهْدِ لم يَخُنه لَدُمْنا، ثم لم يَبْدُ لي سواه بَدَاءُ قال الجوهري: وبدا له في الأَمر بداءً، ممدودة، أَي نشأَ له فيه رأْيٌ، وهو ذو بَدَواتٍ، قال ابن بري: صوابه بَداءٌ، بالرفع، لأَنه الفاعل وتفسيره بنَشَأَ له فيه رأْيٌ يدلك على ذلك؛ وقول الشاعر: لعَلَّكَ، والموعودُ حَقٌّ لِقاؤه، بَدَا لك في تلك القَلُوصِ بَدَاءُ وبَداني بكذا يَبْدوني: كَبَدأَني. وافعَل ذلك بادِيَ بَدٍ وبادِيَ بَدِيٍّ، غير مهموز؛ قال: وقد عَلَتْني ذُرْأَةٌ بادِي بَدِي وقد ذكر في الهمزة، وحكى سيبويه: بادِيَ بَدَا، وقال: لا ينوّن ولا يَمْنَعُ القياسُ تنوينَه. وقال الفراء: يقال افعلْ هذا بادِيَ بَدِيٍّ كقولك أَوَّل شيء، وكذلك بَدْأَةَ ذي بَدِيٍّ، قال: ومن كلام العرب بادِيَ بَدِيٍّ بهذا المعنى إلا أَنه لم يهمز، الجوهري: افعلْ ذلك بادِيَ بَدٍ وبادِيَ بَدِيٍّ أَي أَوَّلاً، قال: وأَصله الهمز وإنما ترك لكثرة الاستعمال؛ وربما جعلوه اسماً للداهية كما قال أَبو نُخَيلة: وقد عَلَتْني ذُرْأَةٌ بادِي بَدِي، ورَيْثَةٌ تَنْهَضُ بالتَّشَدُّدِ، وصار للفَحْلِ لساني ويدِي قال: وهما إسمان جعلا اسماً واحداً مثل معد يكرب وقالي قَلا. وفي حديث سعد بن أَبي وقاص: قال يوم الشُّورَى الحمد لله بَدِيّاً؛ البَدِيُّ، بالتشديد: الأَول؛ ومنه قولهم: افْعَلْ هذا بادِيَ بَدِيٍّ أَي أَوَّل كل شيء. وبَدِئْتُ بالشيء وبَدِيتُ: ابْتَدَأْتُ، وهي لغة الأَنصار؛ قال ابن رواحَةَ: باسمِ الإله وبه بَدِينَا، ولو عَبَدْنا غيرَه شَقِينا، وحَبَّذا رَبّاً وحُبَّ دِينا قال ابن بري: قال ابن خالويه ليس أَحد يقول بَدِيتُ بمعنى بَدَأْتُ إلا الأَنصار، والناس كلهم بَدَيْتُ وبَدَأْتُ، لما خففت الهمزة كسرت الدال فانقلبت الهمزة ياء، قال: وليس هو من بنات الياء. ويقال: أَبْدَيْتَ في منطقك أَي جُرْتَ مثل أَعْدَيْت؛ ومنه قولهم في الحديث: السُّلْطانُ ذو عَدَوان وذو بَدَوانٍ، بالتحريك فيهما، أَي لا يزال يَبْدُو له رأْيٌ جديد، وأَهل المدينة يقولون بدَينا بمعنى بَدأْنا. والبَدْوُ والبادِيةُ والبَداةُ والبَداوَة والبِداوَةُ: خلاف الحَضَرِ، والنسب إليه بدَويٌّ، نادر، وبَداويّ وبِداوِيٌّ، وهو على القياس لأَنه حينئذ منسوب إلى البَداوة والبِداوة؛ قال ابن سيده: وإنما ذكرته لا يعرفون غير بَدَوِيٍّ، فإن قلت إن البَداوِيّ قد يكون منسوباً إلى البَدْوِ والباديةِ فيكون نادراً، قيل: إذا أَمكن في الشيء المنسوب أَن يكون قياساً وشاذّاً كان حمله على القياس أَولى لأَن القياس أَشيع وأَوسع. وبَدَا القومُ بَدْواً أَي خرجوا إلى باديتهم مثل قتل قتلاً. ابن سيده: وبَدا القومُ بداءً خرجوا إلى البادية، وقيل للبادية بادِيَةٌ لبروزها وظهورها؛ وقيل للبَرِّيَّة بادِيةَ لأَنها ظاهرة بارزة، وقد بَدَوْتُ أَنا وأَبْدَيْتُ غيري. وكل شيء أَظهرته فقد أَبْدَيْتَه. ويقال: بَدا لي شيءٌ أَي ظهر. وقال الليث: البادية اسم للأَرض التي لا حَضَر فيها، وإذا خرج الناسُ من الحَضَر إلى المراعي في الصَّحارِي قيل: قد بَدَوْا، والإسم البَدْوُ. قال أَبو منصور: البادية خلاف الحاضرة، والحاضرة القوم الذين يَحْضُرون المياهَ وينزلون عليها في حَمْراء القيظ، فإذا بَرَدَ الزمان ظَعَنُوا عن أَعْدادِ المياه وبَدَوْا طلباً للقُرْب من الكَلإ، فالقوم حينئذ بادِيَةٌ بعدما كانوا حاضرة، وهي مَبادِيهم جمع مَبْدىً، وهي المَناجِع ضِدُّ المَحاضر، ويقال لهذه المواضع التي يَبْتَدِي إليها البادُونَ بادية أَيضاً، وهي البَوادِي، والقوم أَيضاً بوادٍ جمع بادِيةٍ. وفي الحديث: من بَدَا جَفَا أَي من نَزَلَ البادية صار فيه جَفاءُ الأَعرابِ. وتَبَدَّى الرجلُ: أَقام بالبادية. وتَبادَى: تَشَبَّه بأَهل البادية. وفي الحديث: لا تجوز شهادةُ بَدَوِيّ على صاحب قَرْية؛ قال ابن الأَثير: إنما كره شهادة البَدَوِيّ لما فيه من الجَفاء في الدين والجَهالة بأَحكام الشرع، ولأَنهم في الغالب لا يَضْبِطُون الشهادةَ على وَجْهِها، قال: وإليه ذهب مالك، والناسُ على خلافه. وفي الحديث: كان إذا اهْتَمَّ لشيءٍ بَدَا أَي خرج إلى البَدْوِ؛ قال ابن الأَثير: يُشْبِهُ أَن يكون يَفْعَل ذلك ليَبْعُدَ عن الناس ويَخْلُوا بنفسه؛ ومنه الحديث: أَنه كان يَبْدُو إلى هذه التِّلاع. والمَبْدَى: خلاف المَحْضر. وفي الحديث: أَنه أَراد البَدَاوَةَ مرة أَي الخروجَ إلى البادية، وتفتح باؤها وتكسر. وقوله في الدعاء: فإنَّ جارَ البادِي يَتَحَوَّلُ؛ قال: هو الذي يكون في البادية ومَسْكنه المَضارِبُ والخيام، وهو غير مقيم في موضعه بخلاف جارِ المُقامِ في المُدُن، ويروى النادِي بالنون. وفي الحديث: لا يَبِعْ حاضِرٌ لبادٍ، وهو مذكور مُسْتَوْفى في حضر. وقوله في التنزيل العزيز: وإنْ يأْتِ الأَحْزابُ يَوَدُّوا لو أَنهم بادُون في الأَعْراب؛ أَي إذا جاءَت الجنود والأَحْزاب وَدُّوا أَنهم في البادية؛ وقال ابن الأَعرابي: إنما يكون ذلك في ربيعهم، وإلاَّ فهم حُضَّارٌ على مياههم. وقوم بُدَّاءٌ: بادونَ؛ قال: بحَضَرِيٍّ شاقَه بُدَّاؤُه، لم تُلْهه السُّوقُ ولا كلاؤُه قال ابن سيده: فأَما قول ابن أَحمر: جَزَى اللهُ قومي بالأُبُلَّةِ نُصْرَةً، وبَدْواً لهم حَوْلَ الفِراضِ وحُضَّرَا فقد يكون إسماً لجمع بادٍ كراكب ورَكْبٍ، قال: وقد يجوز أَن يُعْنى به البَداوَة التي هي خلاف الحَضارة كأَنه قال وأَهْلَ بَدْوٍ. قال الأَصمعي: هي البداوة والحَضارة بكسر الباء وفتح الحاء؛ وأَنشد: فمَن تكُنِ الحَضارةُ أَعْجَبَتْه، فأَيَّ رجالِ بادِيةٍ تَرانا؟ وقال أَبو زيد: هي البَداوة والحِضارة، بفتح الباء وكسر الحاء. والبداوة: الإقامة في البادية، تفتح وتكسر، وهي خلاف الحِضارة. قال ثعلب: لا أَعرف البَداوة، بالفتح، إلا عن أَبي زيد وحده، والنسبة إليها بَداوِيّ. أَبو حنيفة: بَدْوَتا الوادي جانباه. والبئر البَدِيُّ: التي حفرها فحفرت حَديثَةً وليست بعاديَّة، وترك فيها الهمز في أَكثر كلامهم. والبَدَا، مقصور: ما يخرج من دبر الرجل؛ وبَدَا الرجلُ: أَنْجَى فظهر ذلك منه. ويقال للرجل إذا تغَوَّط وأَحدث: قد أَبْدَى، فهو مُبْدٍ، لأَنه إذا أَحدث بَرَزَ من البيوت وهو مُتَبَرِّز أَيضاً. والبَدَا مَفْصِلُ الإنسان، وجمعه أَبْداءٌ، وقد ذكر في الهمز. أَبو عمرو: الأَبْداءُ المَفاصِل، واحدها بَداً، مقصور، وهو أَيضاً بِدْءٌ، مهموز، تقديره بِدْعٌ، وجمعه بُدُوءٌ على وزن بُدُوع. والبَدَا: السيد، وقد ذكر في الهمز. والبَدِيُّ ووادِي البَدِيُّ: موضعان. غيره: والبَدِيُّ اسم واد؛ قال لبيد: جَعَلْنَ جراجَ القُرْنَتَيْن وعالجاً يميناً، ونَكَّبْنَ البَدِيَّ شَمائلا وبَدْوَةُ: ماءٌ لبني العَجْلانِ. قال: وبداً إسم موضع. يقال: بين شَغْبٍ وبَداً، مقصور يكتب بالأَلف؛ قال كثيِّر: وأَنْتِ التي حَبَّبتِ شَغباً إلى بَداً إليَّ، وأَوطاني بلادٌ سواهما ويروي: بَدَا، غير منون. وفي الحديث ذكر بَدَا بفتح الباء وتخفيف الدال: موضع بالشام قرب وادي القُرَى، كان به منزل عليّ بن عبد الله بن العباس وأَولاده، رضي الله عنه. والبَدِيُّ: العجب؛ وأَنشد: عَجِبَتْ جارَتي لشَيْبٍ عَلاني *** عَمْرَكِ اللهُ هل رأَيتِ بَدِيَّا؟
|